26 Kasım 2019 Salı


"أشرس أعداء اسرائيل" 

السير "مايكل والاس"، مقدم برامج أمريكي، قدم حلقة متلفزة عبر CBS وصل إلى سورية بعد سنة من حرب اكتوبر، قام بتصوير لقاءات متفرقة مع أفراد من يهود الطائفة الموسوية في سورية والتي كان تعدادها آنذاك 4500شخصاً تقريباً، لم يتبق منهم سوى 80 شخصاً حالياً!
برعت وسائل الإعلام المتصهينة في تقديم هذه المجموعة كأقلية مضطهدة في سورية تعيش مقيدة تحكمها عراقيل عديدة، وهي مهددة بخطر الاعتقال في أي لحظة.يحمل أفرادها بطاقات شخصية مختومة بعبارة "موسوي"، كناية عن كلمة يهودي. وهي مكتوبة بحروف حمراء بارزة.
يقول والاس: ذهبت إلى دمشق لأتحرى عن هذه الأمور، فأنا أعرف بأن الاسرائيليين يتبرعون بأموال طائلة لإنفاقها على قضية يهود سورية!"
لم يدهش والاس فقد وجد اليهود مراقبون فعلاً، ويخضعون لقيود شديدة دون غيرهم من السوريين، لكنه أشار في برنامجه إلى أن حياتهم أصبحت أفضل من قبل، وتم تقديم مقابلتين خلال الحلقة، مع معلمة مدرسة يهودية، وصيدلاني يهودي، دحض مزاعم المعاملات السيئة في سورية.
بعد بث هذه الحلقة بأيام قليلة بدأت ردات الفعل تملأ الساحات، وتلقت المحطة العديد من رسائل الاحتجاج تشكو "والاس"ووصف "المؤتمر اليهودي الأمريكي"آنذاك بأن البرنامج ملفق، وتم رفع شكوى بهذا الخصوص إلى"المجلس القومي للأنباء"لملاحقة الشكوى والتأكد من صحة ماورد، ليتم إعادة بث الحلقة في العام التالي مصوراً بعودة جديدة إلى دمشق!
قابل أثناءها والاس أحد أعضاء اللجنة المشرفة على الشؤون اليهودية يمارس مهنة الطب بكل نجاح في عيادته بدمشق ليخبره بأن يهود دمشق بخير في سورية، وبأنه يحمل بطاقة شخصية دون عبارة "موسوي" كما أظهرتها الحلقة.
وبين الطبيب اليهودي بأن اليهود بإمكانهم مغادرة سورية إلى أي مكان في العالم دون أي معوقات.ليمنح يهود سورية بعد 15سنة من اللقاء بالطبيب اليهودي، حرية الهجرة إلى خارج سورية، فغادر أقل من نصفهم إلى أمريكا ويعيشون في أحياء متلاصقة لاتشبه المناطق التي كانوا يعيشون فيها لدى تواجدهم في سورية وهي حارات اليهود في دمشق وحلب والقامشلي.إضافة إلى أنهم يتكلمون العربية، ويبيعون سلعاً من المطبخ السوري.
أما الطبيب الشاب فقد هاجر إلى الولايات المتحدة في أوائل التسعينيات من القرن الماضي ليستأجر منزلاً متواضعاً بعد فشله في القيام بعمل تجاري يحسن من وضعه المعيشي وترك مهنة الطب!مايزال يفضل التكلم بالعربية. يجد أن قصة يهود سورية هي جزء من الصراع العربي الاسرائيلي.
شكك منتقدي برنامج والاس، في تصوير الطبيب اليهودي الشاب بتقبله لحياته في سورية كيهودي، وبأنه لايعاني أيا من التمييز في المعاملة، فقد خضع اليهود لقيود خاصة وتعرضت كنائسهم للاحتراق بُعيد صدور قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين في عام 1947 أما في عام 1949 تم وضع قنبلة في كنيس يهودي في دمشق، مما أدى إلى مقتل 20 شخصاً.
وفي حزيران 1967 حين خسرت سورية مرتفعات الجولان القريبة من الجليل  اقتحم مسلحون فلسطينيون دوراً لليهود ورفعوا بنادقهم في وجه أفراد من عائلات يهودية.
يبين تاريخ اليهود في سورية بأنه لم يكن مسموحاً لهم بمغادرة البلاد إلا خلال المناسبات بينما التنقل داخل سورية كان يتطلب موافقة أمنية، ومن غادر منهم البلاد تم تهريبهم عبر تركيا أو لبنان، وواصل أغلبهم رحلته إلى أمريكا أو اسرائيل. ومنهم تم إلقاء القبض عليه ليودع في السجن.
مايزال الطبيب الشاب يحيا حالة حنين قوية يتصفح بعضا من الصور التي حملها بحقيبته لدى مغادرته سورية، وبعضاً من قصاصات الصحف التي يعتز بها كثيراً تظهره مع غيره من "موسوي" سورية وهم يصافحون الرئيس الراحل حافظ الأسد. وغيرها من التذكارات التي يحتفظ بها من أيام عهده في سورية لجانب بطاقة هويته التي اهترئت وهي مكتوب عليها عبارة"موسوي".
حافظ الأسد الذي وصل مقاليد الحكم في السادس عشر من تشرين الثاني، بقي على رأس السلطة في سورية حتى العاشر من حزيران من عام 2000، شن في عام 1973 مع الرئيس الراحل أنور السادات حرباً على إسرائيل لاستعادة هضبة الجولان وجزيرة سيناء التي تم احتلالها من اسرائيل في حرب الأيام الستة من شهر حزيران 1967.
آثر السادات مخاطبة الكنيست، بعد أربع سنوات من مرور الحرب، بسفره إلى القدس بينما التزم الأسد بصراعه ضد الصهيونية. فعارض معاهدة كامب ديفيد بين مصر واسرائيل وكذلك لم يكن متحمساً لاتفاق اوسلو بين اسرائيل والفلسطينين، الذي تم توقيعه في عام 1994 وانتقد الاردن لتوقيعه معاهدة السلام مع اسرائيل.
لكنه ساند حزب الله اللبناني في مواجهاته القوات الاسرائيلية في الجنوب اللبناني وساند الفصائل الفلسطينية المعارضة لاوسلو، في الوقت الذي التزم فيه بمفاوضات متقطعة مع اسرائيل بوساطه أمريكية، في أواخر حياته.
كان يرى الطبيب اليهودي، بأن عهد الأسد تجلت فيه مسامحة مع اليهود فهو يرى بأن حافظ الأسد أولى اهتماماً لشؤون اليهود في سورية أوائل الثمانينيات.ويؤكد بأن الكثير من رفاقه يحفظون ذلك لهم.
ـ ازدهرت الحال اليهودية في عهد الأسد، صار بوسعهم شراء العقارات وبيعها، ورفع عنهم حظ التنقل داخل البلاد.وسمح لهم بممارسة أعمال التجارة والاستيراد والتصدير.بينما بقيت الهجرة الحرة محرمة عليهم تماماً إلى الخارج مع أفراد عائلاتهم، ظل هذا القانون سارياً حتى عام 1992. ففي عام 1977 بادر الرئيس السوري إلى السماح بهجرة حوالي 24 امرأة يهودية سنوياً إلى الولايات المتحدة .في حين بقي اليهود الذين يضبطون في حالة هرب يخضعون لعقوبة الحبس.
إبان آخر موجة هجرة إلى الولايات المتحدة ليهود سورية، لمع اسم ليهودي هاجر معهم  كان يملك مصنعاً للخياطة، فضل أن يدير متجراً للثياب المستعملة في بروكلين لدى وصوله امريكا، تم ترحيل شقيقتيه إلى اسرائيل مع أطفال يهود آخرين، ولدى رغبته في الحياة معهما أغلقت سورية أبوابها تماماً في وجه الهجرة اليهودية، مما حال التواصل بين الأخ وشقيقتيه طوال عشرون عاماً.
تمكن الأخ من الحصول على تصريح بالسفر إلى انكلترا لعلاج ابنه المريض، ليقوم باتصالات سرية عن طريق السفارة الاسرائيلية لاستقدام إحدى شقيقتيه إلى لندن لرؤيتها بينما لم يتمكن من رؤية الأخرى لمرضها.عاد بعدها إلى سورية ليخبر والدته بلقاء أخته، وقد انقضى عشرون عاماً قبل السماح ليهود سورية بالهجرة إلى أمريكا فقام معظمهم ببيع وتصفية ممتلكاتهم وأعمالهم، وتمكن الأخ من الحصول على جواز سفر للهجرة مع عائلته ووالدته العجوز باستثناء أحد أبنائه فقد تم منعه من السفر.آثر البقاء على إثرها في سورية حتى حصل على جواز سفر لابنه في عام 1994 وبينما تستعد العائلة للسفر إلى بروكلين، ومع هجرة معظم يهود سورية، توفيت والدته! شعر بالمرارة وهو يواريها الثرى، فشل في حملها معه كما فشل في جمعها بابنتيها.كان وجه أمه آخر صورة له في سورية.إنه يعيش حالة حنين على الدوام، يذكر أصدقاؤه في الوطن الأول كان يعيش مع المسلمين والمسيحين كما عائلة واحدة، كان بينهم وئام واضح إنه مشتاق لسورية، لكنه مذعور من الأسئلة الاستخبارية كثيراً.
هو على يقين بأن الأسد لم يكن يعلم بمضاياقات البعض لنا من "مصرفي الشؤون اليهودية" في الدولة. يرى يهود سورية أن السبب في ذلك هو المشاعر التي يكنوها لاسرائيل، والتي حولتهم ربما إلى أعداء لسورية.
لدى وفاة الأسد في حزيران 2000 قام ثلاثة يهود من أصل سوري بنشر نعي في New York Time هم الحاخام اليهودي السوري جاك كاسين، وأحد رؤساء طائفة الحصيديم جاك أفيتال، إضافة إلى رجل أعمال.
ـ ورد اسم سورية في قائمة الدول الداعمة للإرهاب، لدى الخارجية الأمريكية وتعرضت لضغوط شديدة كي تمنع الارهابيين من عبور حدودها إلى العراق، ولا تتدخل في شؤون جارتها لبنان، ولدى توقيع الرئيس الامريكي بوش على "قانون محاسبة سورية"الذي فرض زمرة من العقوبات في حقها، وهدد من فرض عقوبات جديدة إذا لم يغير السوريون من سلوكهم لتنجح مع فرنسا في أيلول من نفس العام بتمرير قرار مجلس الأمن رقم 1559 المطالب بانسحاب القوات السورية من لبنان.
وتدهورت العلاقات السورية اللبنانية إثر اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري فقد وجهت اصابع الإتهام إلى عناصر من الأمن السوري، وقامت المظاهرات الاحتجاجية في سورية وبيروت منها الداعمة ومنها ضد سورية بشكل عام.
فيما انضمت روسيا للولايات المتحدة وفرنسا في قرار الانسحاب السوري، بينما بدأ فعلا الضباط السوريون في الانسحاب فعلاً من لبنان.وبدأ سفير سورية لدى واشنطن في مد يد الوفاق إلى جماعات معروفة بعدائها لسورية، كان ذلك في عام 2005 وأحد واضعي"قانون محاسبة سورية"رافق ذلك جولات ميدانية إلى جنوب بروكلين اليهودية السورية، عاقداً الصداقات بين صفوفها ومشجعا يهودها على زيارة الوطن الأم ليرافقه في العام ذاته وفداً من اليهود من أصل سوري معروفين بصلات وثيقة بأعضاء من حكومة اسرائيل الليكودية.وزار بعضاً من مواقع يهودية  بارزة في البلاد! راجياً بذلك إحياء المفاوضات بين سورية والدولة اليهودية.
حيال ذلك بدأ" المحافظين الجدد: في الدعوة إلى الإطاحة بالأنظمة القائمة في الشرق الأوسط ليصرحوا بأن سورية هدفاً ثانياً بعد العراق لتغيير نظامها.
في سياق ذلك نعود إلى حكاية الطبيب اليهودي، إنه لايخفي بأنه يهودي كما قلبه ويحب اسرائيل أكثر مما أحب سورية، يتفهم المأزق السوري بشكل ملفت للنظر، إنه يتكلم عن مصاعب البلاد مع الولايات المتحدة، بشكل موضوعي، ويرى بأن القومية التي شكل حافظ الأسد سورية من خلالها يجعلها تنخرط في مبادرة درامية، كما تلك التي سعى إليها الرئيس الراحل أنور السادات.
ويتابع على حد قوله، عندما تواجه الحكومة السورية خياراً صعباً، كالانصياع للإدارة الأمريكية أو مواجهة عزلة أو غير ذلك، فهي حتماً تفضل السلامة على التشدد.ليس لأمريكا استبعاد استعمال القوة ضد سورية، لكنها يجب أن تكون حذرة، قد تلجأ إلى الضغط على سورية، لكن لابد من إحكام هذا الضغط، اقتصاديا وسياسياً، فهي ترى في علاقة سورية مع حزب الله وحماس ما يؤرقها هي لن تحتل سورية لكنها تريد المطارات الرئيسية فقط.في النهاية يمكن للأمريكان أن يجدوا صلحاً بين اسرائيل وسورية، مما يجعل سورية بعيدة عن حماس وحزب الله.
في المقابل سورية تطالب باستعادة هضبة الجولان كاملة مقابل معاهدة السلام، مما أرق الولايات المتحدة هذا الموضوع كثيراً، فبدت التسوية بين سورية واسرائيل شبه معدومة.فإسرائيل تصر على إبقاء سيطرتها على الهضبة لأسباب أمنية.فشلت محادثات كينتون والأسد حول هذا الموضوع وتوفي الأسد، ثم انهارت محادثات كامب ديفيد بين اسرائيل والفلسطينين واندلعت الانتفاضة الثانية.
وتدهورت عملية السلام! ولن يمضي حاخات يهود سورية عطلة نهاية الأسبوع في سورية وفضلوا التنقل بين اسرائيل وامريكا!
التقى رئيس الطائفة الموسوية السورية، بالأسد أربع مرات، كان من طليعة مؤيديه في تلك الحقبة، وبعد أن نشطت حركة لتحرير اليهود السوريين بنشاط ضاغط على الحكومة الأمريكية للضغط على دمشق لتسمح بهجرة اليهود، أجرى وجهاء الطائفة الموسوية لقاء مع الأسد أسفر عن رفع الحظر على هجرة اليهود ليستقر رئيس تلك الطائفة في اسرائيل بعد أن تنقل بين الولايات المتحدة وسورية مدة عامين.كان قد التقى بالرئيس عرفات مرة واحدة، وتلقى رسالة من رئيس الوزراء اسحاق رابين الذي رُشح لاقتسام جائزة نوبل مع ياسر عرفات ووزير الخارجية شيمون بيريز، كان مضمون الرسالة بأن رابين يشعر أن العديد من الناس يستحقون الجائزة وسيكون سعيداً لو رافقه لنيلها وهناك كان لقاؤه بعرفات.
كان يعتقد رئيس الطائفة الموسوية أن الصراع العربي الاسرائيلي سينتهي، لكن اندلاع الانتفاضة الثانية أخفق عملية السلام! ويشير على تضعضع الوضع الأمني فالعمليات الانتحارية  نسفت كل ما تم تحضيره من قبل اليهود.
تعرف السفير السوري لدى واشنطن إلى جالية بروكلين اليهودية السورية عبر امرأة يهودية كانت زميلة زوجته في جامعة دمشق آنذاك، كان والدها رجل أعمال تربطه بمسؤولي الحكومة السورية روابط قوية، حافظ على استيراد النحاس الأصفر والأحمر من سورية وهي تزين متجره حتى اليوم.
ضمن مساعي السفير السوري لتوطيد الصلات بين السفارة والجالية السورية في المهجر، صادف والد زميلة زوجته تاجر النحاس ورجل الأعمال وطلب منه الالتقاء بالطائفة الموسوية السورية، وتم عقد لقاء في مركز الجالية في بروكلين.وانتهى اللقاء بإشارة من السفير على التشابه في العادات والأعراف الاجتماعية بين اليهود وغيرهم من السوريين.
عادت بعد ذلك قلة من اليهود إلى سورية بشكل نهائي، والعديد منهم طالب بزيارة سورية وزيارة منازلهم والكنائس التي تعبدوا فيها، وزيارة قبور أجدادهم، وقلة أخرى عادت لتجديد الروابط القديمة، أما القلائل من اليهود الذين لم يهاتجروا حتى بعد كسر حواجز السفر كانوا يتعبدون بكنيس واحد، ولم يعد لديهم حاخام متفرغ، وهم يتمتعون بحريات لم يكن لأبناء الطائفة أن يحلموا بها قبل ثلاثين عاماً.
حزن من حزن لمغادرة الطائفة اليهودية، وفرح من فرح، مرت الأيام، وشاب المفرق بعض اليهود مايزال يعتز بهويته العربية وفياً لمسقط رأسه، كثر من أراد تمثيل سورية في مباحثات السلام بين الكيان وبين سورية.

 منقول بتصرف

Hiç yorum yok:

Yorum Gönder

Richard Clayderman - Mariage D'Amour